3 - الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ
لتحميل الموضوع بور بوينت ( الرابط نهاية الموضوع )
الْوَعْدُ لُغَةً : أَنَّ تُمَنِّي غَيْرَكَ بِشَيْءٍ .
وَلَفْظَةُ الْوَعْدِ : تُسْتَخْدَمُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَتَقُولُ:
وَعُدْتُهُ خَيْرًا، وَوَعَدَتْهُ
شَرَّاً،
قَالَ تَعَالَى : " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ " .
وقَالَ تَعَالَى : " قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم
بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ
وَعَدَهَا اللَّهُ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ " .
وَ الْوَعْدُ
شَرَعًا: كُلُّ خَبَرِ يَتَضَمَّنُ
إيصَالَ نَفْعٍ إِلَى الْغَيْرِ، أَوْ دَفْعَ ضَرَرٍ عَنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
*********
الْوَعِيدُ لُغَةً: التَّخْوِيفُ وَالتَّهْدِيدُ، وَلَا
يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الشَّرِّ.
قَالَ
تَعَالَى: " قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا
لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ "
وَالْوَعِيدُ شَرَعًا: كُلُّ
خَبَرٍ يَتَضَمَّنُ إيصَالَ ضَرَرٍ إِلَى الْغَيْرِ، أَوْ تَفْوِيتَ نَفْعٍ عَنْهُ
فِي الْمُسْتَقْبَلِ .
*********
واللهُ تَعَالَى قَدْ وَعَدَ بِالثَّوَابِ مَنْ أَطَاعَهُ
، وَتَوَعَّدَ بِالْعِقَابِ مَنْ عَصَاهُ، وَالْجَنَّةُ هِي دَارُ الثَّوَابِ،
وَالنَّارُ هِي دَارُ الْعِقَابِ، فَمَا حُكْمُ هَذَا الْوَعِيدِ، وَذَاكَ
الْوَعْدِ؟ بِمَعْنَى: هَلْ يُمْكنُ أَنْ يَتَخَلَّفَ وَعْدُهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَكَذَا وَعِيدُهُ ؟
حُكْمُ الْوَعْدِ وَ الْوَعِيدِ :
أَوَّلَاً : حُكْمُ الْوَعْدِ :
اِتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الأشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ عَلَى أَنَّ
وَعْدَهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ دَارًا لِلثَّوَابِ وَعْدَاً لَا يَتَخَلَّفُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ.
وَاِسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِنُصُوصِ الشَّرَعِ ، وَحُكْمِ الْعَقْلِ .
أَمَّا الْأَدِلَّةُ النَّقْلِيَّةُ ( نُصُوصُ الشَّرَعِ ) فَمِنْهَا :
أ
ـ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ " .
ب
ـ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : " وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ " .
ج
ـ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى : " مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ " . وَلَوْ تَخَلَّفَ
الْوَعْدُ لَتَبَدَّلَ الْقَوْلُ .
أَمَّا الْأَدِلَّةُ العَقْلِيَّةُ : (
حُكْمُ الْعَقْلِ )
الْعَقْلُ
حَاكِمٌ بِذَلِكَ .
السَّبَبُ : لِأَنَّهُ
لَوْ تَخَلَّفَ مَا وَعْدَ االلهُ بِهِ عِبَادَهُ مِنَ
الثَّوَابِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْكَذِبُ فِي خَبَرِهِ تَعَالَى ، كَمَا يَلْزَمُ
السَّفَهُ وَالخُلْفُ فِي
وَعْدِهِ تَعَالَى ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ
؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ .
ثَانِيَاً : حُكْمُ الْوَعِيدِ:
اِخْتَلَفَ
رَأْيُ الأشَاعِرَةِ عَنْ رَأْيِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ فِي حُكْمِ الْوَعِيدِ.
فَذَهَبَتِ الأشَاعِرَةُ : إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخْلِفَ االلهُ وَعِيدَهُ فِي حَقِّ
مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ نَقْصًا فِي حَقِّهِ تَعَالَى ، بَلْ يُعَدُّ كَرَمًا يُمْتَدَحُ
بِهِ كَمَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلَ الشَّاعِرِ :
وإنِّـــــــي
وإنْ أوعَـــدْتُـــهُ أو وَعَـــــــدْتُهُ لَمُخْلِـــفُ إيْعَــــادِي ومُنْجِزُ
مَوْعِدي
وَقَالُوا
( أَيْ الأشَاعِرَةُ )
ـ الْوَعْدُ : حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى االله ؛
لِأَنَّهُ فَضْلٌ وَعْدَ بِهِ الْمُطِيعَ ، وَضَمِنَ عَطَاءَهُ لَهُ فَهُوَ أوْلَى
بِالْوَفَاءِ.
ـ أَمَّا الْوَعِيدُ : فَهُوَ
حَقُّهُ ـ تَعَالَى ـ عَلَى الْعِبَادِ،
وَصَاحِبُ الْحَقِّ إِنْ شَاءَ عَفَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ، وَالْعَفْوُ عِنْدَ
الْمَقْدِرَةِ أَلْيَقُ بِالْكَرِيمِ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ مَعَ كَرَمِهِ
الْبَالِغِ عَظِيمِ الرَّحْمَةِ ؟
الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ الأشَاعِرَةِ : وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْوَعِيدَ
بِالْعِقَابِ لَنْ يَتَحَقَّقَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَشِيئَةِ
االله َ تَعَالَى إِنْ شَاءَ نَفَّذَ
وَعِيدَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفِا .
*********
وَذَهَبَتِ الْمَاتُرِيدِيَّةُ : إِلَى اِمْتِنَاعِ تَخَلُّفِ الْوَعِيدِ ، فَلَابُدَّ مِنْ
تَحَقُّقِهِ وَلَوْ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ .
بِخِلَاَفِ
مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ قَالُوا يَجِبُ تَنْفِيذُ الْوَعِيدِ
فِي كُلِّ الْأَفْرَادِ .
أَدِلَّةُ الْمَاتُرِيدِيَّةِ :
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ : أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى جَوَازِ تَخَلُّفِ الْوَعِيدِ
مَفَاسِدٌ ، مِنْهَا :
أ ـ الْكَذِبُ فِي خَبَرِهِ تَعَالَى ؛
لِأَنَّهُ قَالَ : " وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ
حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ".
وَقَدْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَنْزِيهِ
خَبَرِهِ تَعَالَى عَنِ الْكَذِبِ .
ب ـ تَبْدِيلُ الْقَوْلِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : " مَا
يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ
" .
ج ـ تَجْوِيزُ عَدَمِ خُلُودِ الْكَافِرِينَ فِي النَّارِ، وَهُوَ خِلَاَفُ مَا قَامَتْ عَلِيْهِ
الْأَدِلَّةُ الْقَطْعِيَّةُ مِنْ خُلُودِهِمْ فِيهَا، وَالَّتِي مِنْهَا قَوْلُهُ
تَعَالَى : " وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " .
*********
الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ : ( أَيْ : الْجَوَابُ عَنْ أَدِلَّةِ
الْمَاتُرِيدِيَّةِ )
الْجَوَابُ عَنِ
الدَّلِيلِ الْأوَّلِ : ( رقم
أ ) :
أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ َ تَخَلُّفِ
الْوَعِيدِ كَذِبٌ
؛ لِأَنَّ الْكَرِيمَ إِذَا أَخْبَرَ بِالْوَعِيدِ فَاللَّائِقُ بِكَرَمِهِ أَنْ
يَبْنِيَ إِخْبَارَهُ عَلَى الْمَشِيئَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا، فَإِذَا
قَالَ الْكَرِيمُ لَأُعَذِّبَنَّ زَيْدًا ،
مَثَلًا ، فَنِّيَّتُهُ إِنْ
شِئْتُ ، بِخِلَاَفِ الْوَعْدِ ، فَإِنَّ
اللَّائِقَ بِكَرَمِهِ أَنْ يَبْنِيَ إِخْبَارَهُ عَلَى الجَزْمِ ، وَقَدْ قَالَ
رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَنْ وَعَدَهُ اللهُ عَلَى
عَمَلِهِ ثَوَابًا فَهُوَ مُنْجِزٌ لَهُ، وَمَنْ أَوَعَدَهُ عَلَى عَمَلِهِ
عِقَابًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ " .
الْجَوَابُ عَنِ الدَّلِيلِ الثَّانِي :
( رقم ب ) :
أَنَّ
التَّبْدِيلَ الْمَمْنُوعَ إِنَّمَا هُوَ تَبْدِيلُ الْقَوْلِ فِي وَعِيدِ
الْكَفَّارِ، أَوْ مَنْ لَمْ يُرِدِ اللهُ تَعَالَى لَهُ عَفْوًا ، فَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى
ذَلِكَ.
الْجَوَابُ عَنِ
الدَّلِيلِ الثَّالِثِ : ( رقم
ج ) :
أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ
تَجْوِيزُ عَدَمِ خُلُودِ الْكَفَّارِ فِي النَّارِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ تَخَلُّفِ
الْوَعِيدِ
مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ، فَلَا يُنَافِي خُلُودَ الْكَفَّارِ
فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنِ الْكُفْرِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ
الْكَرِيمِ، قَالَ تَعَالَى : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ
بِهِ ".
فَهَذِهِ الْآيَةُ مُقَيِّدَةٌ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا "
.
ومَعْنَى ( مُقَيِّدَةٌ ) : ( أي : مُحَدِّدَةً الْفِئَةَ
الـْمُسْتَثْنَاةَ مِنْ مَغْفِرَةِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ ) ، أَيْ : أنَّ اللهَ
يَغْفِرُ جَمِيعَ الذُّنُوبِ إِلَّا الذِينَ أَشْركُوا بِهِ .
فَالصَّحِيحُ : أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَجُوزُ
فِي حَقِّهِ أَنْ يُخْلِفَ وَعِيدَهُ .
وَالْأشَاعِرَةُ وَالْمَاتُرِيدِيَّةُ
مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، وَعَلَى أَنَّ بَعْضَ
الْمُؤْمِنِينَ يُغْفَرُ لَهُم .
إِلَّا أَنَّ :
أ ـ الْأَشَاعِرَةَ يَقُولُونَ: إِنَّ آَيَاتِ الْوَعِيدِ تَشْمَلُ هَذَا الْبَعْضَ الْمَغْفُورِ
لَهُ، وَعِنْدَ الْمَغْفِرَةِ تَخَلَّفَ الْوَعِيدُ فِيهِ .
ب ـ وَالْمَاتُرِيدِيَّةُ
يَقُولُونَ: إِنَّ الآياتِ الْوَارِدَةَ
بِعُمُومِ الْوَعِيدِ مُسْتَثْنَى مِنْهَا الْمُؤْمِنَ الْمَغْفُورِ لَهُ، أَمَّا
غَيْرُ الْمَغْفُورِ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إِنْجَازِ الْوَعِيدِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ
الْوَعِيدَ لَا ّ يَتَخَلَّفُ .
ثَمَرةُ الْخِلَافِ :
أَنَّهُ يَصِحُّ : عَلَى مَذْهَبِ الأشَاعِرَةِ أَنْ نَدْعُوَ وَنَقُولُ:
اللَّهُمُّ اِغْفِرْ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَ ذُنُوبِهِمْ.
وَلَا يَصِحُّ : ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةُ ؛ لِأَنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ لَا يُغْفَرُ لَهُ ذَنْبُهُ إِلَّا بَعْدَ نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِيهِ .
وينبغي أَنَّ يُتَنَبَّهَ
إِلَى أَنَّ جَوَازَ تَخَلُّفِ الْوَعِيدِ لَا يَعْنِي وُقُوعَهُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ
مَنْ تَوَعَّدَهُ اللهُ بِالْعُقُوبَةِ، حَتَّى لَا يَكُونَ هُنَاكَ اِتِّكَالٌ عَلَى هَذَا ، بَلِ الْأَمْرُ مَوْكُولٌ
إِلَى مَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ ُ ـ تَعَالَى ـ لَا يُخَادَعُ ، فَمَنْ تُسَوِّلُ
لَهُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى
الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعَرِفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعِلْمُ
بِالسَّرَائِرِ، فَهُوَ الْعَلِيمُ بِخَلْقِهِ.
اضغط هنا لتحميل الدرس بور بوينت
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك هنا