القائمة الرئيسية

الصفحات

الاخبار[LastPost]



قصة عن الابن البا
  في منطقة بعيدة من أطراف المدينة، في عصرنا الحالي ، ، كانت تعيش أسرة فقيرة ، مكونة من أب وأمٍّ وثلاثة أبناء ، رب الأسرة يدعى صالح ،وهو أب لثلاثة أبناء رزقه الله ـ سبحانه وتعالى ـ زوجة صالحة ، تعرف واجبات زوجها وأسرتها ، تحفظ زوجها وترعاه ، وتقوم ـ على أكمل وجه ـ بتربية الأبناء .
   كان صالح حريصاً على تعليم الأبناء و تربيتهم تربية حسنة ؛ ليجعلهم قادرين ـ بمشيئة الله ـ على خدمة وطنهم و مواجهة تقلبات الحياة  ؛ لذلك كان يعمل ليلاً ونهاراً بجد وإخلاص محاولة منه توفير متطلبات الحياة الضرورية لهم .
  صالح يحب الجلوس مع أبنائه ومساعدتهم في حل واجباتهم المدرسية ، على الرغم من تعبه وإجهاده في العمل ، إلا أنه كان لا يترك يوماً إلا وجلس معهم  ؛ فهم لا زالوا أطفالاً صغاراً يحتاجون من يوجههم ويبين لهم الصواب والخطأ  ، ومن خلال مساعدته لهم في حل واجباتهم ، كان يلاحظ أنَّ ابنه الأصغر ـ محمد ـ  شديدُ التعلق به ،  بخلاف أخويه إبراهيم وعمر ، وعلى الرغم من ذلك ، كان عادلاً في حبه لأولاده ، فلم يفضِّلْ أحدٌ منهم على الآخر ، وبدأت الأيام تمر والابن الأصغر يزداد تعلقاً بأبيه ، كما كان الابن الأصغر يُنفِّذُ كلَّ ما يطلبه منه أبوه ، كان محمد يحب الذهاب دائما مع أبيه إلى المسجد ، حتى في صلاة الفجر لم يتكاسل عن أدائها يوماً مادام أبوه يذهب إلى المسجد ، بخلاف أخويه ، فقد كانا أحياناً يتكاسلان عن أداء صلاة الفجر مع أبيهم وأخيهم .
  تمر الأيام ويكبر الصغار ويدخل إبراهيم وعمر الجامعة ، بخلاف محمدٍّ ، فهو لا زال في المرحلة الثانوية ، اتصف محمد ببره بوالديه ، معاملته الحسنة لأخويه ، كان طيب القلب حنوناً وعطوفاً ، لا يكره أحداً ، ويحب كل الناس ، يحب دراسته ويجتهد أكثر لإسعاد والديه ، ولتحقيق أمنياته التي يطمح أن يساعده الله في تحقيقها ، يحب قراءة القرآن الكريم ، كما كان يذهب إلى والديه قبل نومه ليسألهما عن حاجة يريدانها قبل نومه فيقضيها لهما .
  أما إبراهيم وعمر فكانا يحبان الدنيا ، لا يهتمان بأسرتهما الاهتمام المطلوب ، يفكران في كيفية كسب المال بسرعة  ، وكيف يصبحان أغنياء في لمح البصر .
  ازداد إحساس إبراهيم وعمر ـ مع مرور الأيام ـ بالحياة البسيطة التي يعيشانها ، فقررا أن يجدا لنفسهما عملاً يوفر لهما مالاً أكثر زيادة على المصروف الذي يأخذانه من أبيهما .
  في البداية لم يرغبا في إخبار أبيهما بقرارهما الذي اتخذاه بخصوص العمل ، لكنهما في النهاية اتفقا على إِخباره.
  وعندما عرضا الأمر على الأب ، قال: " وهل قصرت معكما في شيء يا أولادي ؟ " ، فقال عمر : " لا يا أبي ، ولكننا شباب ونحتاج إلى أمور أخرى وأن نظهر أمام زملائنا في الجامعة بمظهر لائق " .
  قال الأب : " إن كنتما تريدان العمل ، فلا تتعجلا ، سيأتي دوركما ولكن بعد الجامعة بإذن الله ، وأنا أخاف عليكما إن فعلتما ذلك الآن  ، فإني أخاف أن تسيطر عليكما المادة وتتركا الجامعة .
  وظل الجميع يتناقشون إلى أن أقنع الولدان أباهما بالعمل أثناء دراستهما بالجامعة ، وتعرف الولدان على 
صديق لهما بالجامعة عرفا منه بعد ذلك أن أباه صاحب شركة كبرى ، فطلبا من صديقهما أن يتعرفا عليه ويساعدهما في الحصول على عمل عنده ، استجاب الصديق لطلبهما وبدآ العمل عند أبيه .
  وتمر الأيام ويكبر محمد ويذهب إلى الجامعة .
  أما إبراهيم ومحمد فقد تركا الجامعة ، وتركا المنزل أيضا ، وابتعدا عن الأسرة ، وحزن الأب لذلك حزناً شديداً واستمر في الدعاء لهما بالهدية .
  انتهى الابن الأصغر محمدٌ من الجامعة ، تخَرَّجَ منها بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في تخصصٍ نادرٍ في كلية الطب ، وعُيِّن َمُعيداً في كلية الطب وبدأ مشواره العملي .
  أما إبراهيم وعمر فأصبحا يمتلكان مالا وفيراً وصارا من الأغنياء في مدة قصيرة ، حاول الأب أن يتصل بهما أكثر من مرة لكنهما لم يستجيبا له ، ولم يسألا عنه .
  محمد خلال هذه الفترة يزداد تفوقاً وما إن حصل على مال من وظيفته حتى قرر أن يذهب بأبيه وأمه لأداء فريضة الحج ، طلب الوالدان من محمد أن يدَّخِرَ ماله من أجل تجهيز بيته للزواج فهو الآن في مرحلة عليه أن يتزوج ويُكَوِّنَ أسرة .
  لكن محمداً رفض ، وأصَرَّ على الذهاب إلى الحج ، فرح الوالدان فرحاً شديداً ، وشاء الله أن يذهبوا جميعاً لأداء فريضة الحج .
  ورجعت الأسرة إلى البيت بعد أداء فريضة الحج مسرورة ، وقبل دخولهم المنزل وجد محمدٌ خطاباً له ـ على باب المنزل ـ  من الجامعة ، فأسرع و فتح الرسالة ليعلم مضمونها ، وعندما قرأها فرح فرحاً شديداً ، وقال لوالديه : " إن الجامعة تريدني أن أذهب لعرض أبحاثي على المؤتمر الطبي العالمي ، وكما تعلم يا أبي أن هذه أمنيتي التي كنت أنتظر تحقيقها وأن تظهر أبحاثي للنور " .
  فرح الوالدان فرحاً شديداً ، وكتما ألم فراق ابنهما في قلبهما  ولم يظهراه له ، لئلا يُضَيِّعَا فرحةَ ابنهما بهذا المؤتمر .
  دخل محمد إلى غرفته ليرتاح قليلاً من تعب السفر ، وذهب صالح إلى جاره عبدالعزيز ليقترض منه مالاً يساعد ابنه في سفره ، على أن يرده له في أسرع وقت .
  إن جاره عبدالعزيز كان رجلاً ميسور الحال ، وهبه الله مالاً كثيراً ، وهو رجل معطاء مشهور بالكرم ، لا يرد سائلاً ولا محتاجاً ، وعندما قابله صالح ، كان وجه يظهر عليه الخجل  وهو يقول لنفسه : " كيف أطلب مالاً من جاري ؟، وكيف أبدأ ؟ 
  ولكن جاره كان رجلاً فطناً ، حكيماً  ، فقال : ادخل يا صالح وتفضل بالجلوس ، فإني أتعبني المرض وأرهقني ، وأنت كما تعلم أن زوجتي توفاها الله من زمن بعيد ، ولي ابنة واحدة ، أدعو الله أن يحفظها من بعدي .
  قال صالح : " أطال الله في عمرك يا عبد العزيز وبارك لك في ابنتك ، وشافاك وعافاك من مرضك ، وأعتذر منك لأني لم أكن أعرف أنك مريض بهذه الحال ، فقد كنت معك بالأمس القريب وكنت بحال جيدة .
  فقال عبدالعزيز : " يا صالح ألم يقل الله ـ تعالى ـ في كتابه " كل يوم هو في شأن " ؟
فقال صالح : " بلى . سبحان من يُغَيِّر ولا يتغير! " ، ..... وما دمتُ قد اطمأننت عليك سأذهب الآن وآتيك بين الحين والآخر لأطمئن عليك " .
  وقبل أن يقوم ، قال عبدالعزيز : " يا صالح ، أما جئت لأجل ابنك الذي يريد السفر لحضور المؤتمر العلمي ؟ يا صالح لا فرق بيني وبينك أنت جاري وفي منزلة أخي ، وما يسعد ابنك يسعدني ، وطلب من ابنته أن تحضر مبلغا كبيرا يفوق حاجة صالح .
  فشكره صالح لكرمه وحسن ضيافته ، ووعده أن يرد له ماله في أقرب وقت ممكن .
  فقال عبدالعزيز : لا عليك يا صالح ، واذهب إلى ابنك الآن لتعطيه المال ، وادعُ له بالتوفيق ، ولا تبلغه أنك أخذت مالا مني .
  شكره صالح لكرمه ، وذهب لابنه ، وهو سعيد وحزين ، سعيد لأنه حصل على مالٍ ليساعدَ به ابنه محمد ، وحزين لأنه طلب من ولديه أن يساعداه ولكنهما لم يأتيا إليه كما طلب منهما .
  ذهب الوالد إلى ابنه وأعطاه المال ، فاندهش الابن ، وسأل عن مصدر المال ، فقال الأب  :" لقد كنتُ أدَّخرُ من عملي ومن المال الذي كنت تعطيني إياه من عملك ، فتَكَوَّن هذا المبلغ ، والآن قد جاء دوره ، فما المال إلا سبب يا بني وليس غاية  ، شكر الابن أباه ، وتم تحديد موعد السفر  .

  ودَّع الابن والديه ، وجاء ت السيارة التي تقله إلى المطار ، فبينه وبين المطار مسافة بعيدة ، أقلته السيارة ووصل ـ  بحمد الله ـ سالما إلى المطار ، ولكنه عند وصوله المطار شعر بقبضة قلبه فجأة ، وكأن أحداً يحدثه ويقول له ارجع .
  ورجع محمد مسرعاً  إلى البيت ، وعندما وصل البيت لم يجد والديه بالمنزل ، فهرول يسأل الجيران ، فقال له أحد الجيران أن أباه مرض فجأة وأخذوه إلى المستشفى ، فذهب مسرعاً إلى المستشفى دون التفكير في أبحاثه والمؤتمر ، وما إن وصل إلى المستشفى حتى قابل والدته ، وبلهفة شديدة سألها : " ماذا حدث يا أمي ؟  فأجابت الأم وهي تبكي : " لقد شعر أباك فجأة بألم في قلبه ، ودخل في غيبوبة ، ونقلته إلى المستشفى " ، فذهب محمد مسرعاً إلى الأطباء ؛ ليسألهم عن حالة أبيه ، فرد أحد الاطباء : " يا دكتور محمد إن إمكانات المستشفى لا تسمح بإجراء مثل هذه العمليات ، وعليك أن تأخذه إلى الخارج ، فحالته خطيرة ".
  أمسك محمد بالأشعة والفحوصات التي أجريت لأبيه ، ووجد نفسه فجأة يقول للأطباء : " جهزوا غرفة العمليات ، أنا من سيقوم بإجراء العملية " .
  اندهش الاطباء من رد فعل محمد وقالوا له : " إن العملية خطيرة ، وأنت ـ كما نعلم ـ لازلت طبيباً جديدا ، ولم تكتسب الخبرة بعد ".
  فأجاب الابن : " إن أبي رجل مؤمن ، ويعلم أن الذي يأخذ الروح هو خالقها فقط ، ومستشفيات الخارج لن تكون أحرص على أبي مني " .
  بدأ الأطباء والممرضات بتجهيز غرفة العمليات ، ووقَّع َمحمد على إقرار عدم مسؤولية المستشفى بما يحدث لأبيه ، ووقَّعت الأم كذلك ، وصارت غرفة العمليات جاهزة ، ودخل صالح غرفة العمليات ، ومحمد يدعو ربه أن يوفقه في ذلك ، فهذا أبوه الذي رباه ووقف بجانبه إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن  ، ودخل محمد غرفة العمليات والجميع يترقب ، وبدأ إجراء العملية .
  استغرق إجراء العملية ما يقرب من سبع ساعات ، والجميع خارج غرفة العمليات يترقب ، فهذه حالة فريدة من نوعها تتم في المستشفى ، وخرج محمد من غرفة العمليات والسرور يغطي ملامح وجهه ، وقال بصوت عالٍ : " الحمد لله ، لقد نجحت العملية " ، فرحت الأم وعانقت ابنها ، وظل الأطباء ينظرون باندهاش إلى هذا الطبيب الصغير ، الذي أثبت أن قدرة الله تفوق أي قدرة ، وأثناء فرحة الأم والابن والأطباء ، جاء جارهم عبدالعزيز إلى المستشفى بنفس حالة والده ، وقبل أن يرتاح من العملية الأولى ، دعا إلى تجهيز غرفة العمليات بسرعة دون أن يطلب حساباً أو أجراً أو حتى يفكر في ذلك ، كان همه فقط مساعدة المريض ، يقول تعالى : " ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " .
  ودخل الجار غرفة العمليات ، ولم تستغرق وقتا كوقت عملية أبيه ، ونجحت هي الأخرى بتوفيق من الله ، وامتلأت المستشفى بالأطباء وانتشر الخبر في كل أرجاء المدينة ، حتى وصل الخبر إلى المؤتمر الطبي الذي كان يريد الذهاب إليه ، فقرر القائمون على المؤتمر بالسفر الفوري إلى المنطقة التي يقطنها الطبيب ، فهو ـ كما سمعوا ـ يستحق أن يذهبوا إليه ، وقابلوه وكرَّمُوه على هذا الإنجاز العظيم ، واشتهرت المستشفى ، وأصبحت هي الأولى التي تقوم بإجراء مثل هذه العمليات على مستوى الدولة ، وذاع صيت الطبيب الصغير بسرعة وفي أيام قليلة وحتى قبل أن يخرج أبوه من المستشفى .
  شُفي والد محمد تماماً كما شفي جاره أيضا ، وقرر محمد أن يذهب بأسرته إلى البيت فوالده ـ بفضل الله ـ وبراعة الطبيب الصغير في حالة جيدة ، وأثناء رجوعهما ، قصَّ الوالد على ابنه محمد قصة جاره عبدالعزيز ، والمال الذي أعطاه له .
  شكر الابن أباه على هذه التضحية ، وطلب من أبيه أن يسمح له بأن يذهب إلى جاره ليرد له ماله ، فقال الأب : " يا بني . أنت الآن بفضل الله طبيب مشهور ، فما الذي يمنع أن تتقدم لخطبة ابنة جارنا عبدالعزيز ؟  ، فهو نعم الرجل والصديق والجار ، أما عن ابنته فوالدتك تعلم أخلاقها وأن الجميع يشهد لها بذلك ، فما قولك يا بني ؟
  فقال الابن : " ما فعله جارنا وما نسمعه عن أخلاق ابنته ، يجعلني لا أتردد في أن أوافقك الرأي ، هيا يا أمي ، أما كنت تتمنين من مدة طويلة أن أتزوج ؟ فرحت الأم  فرحاً شديداً ، وذهب الجميع إلى بيت جارهم ، وعندما رآهم عبدالعزيز  ، ظهرت على وجهه علامات السرور ، فهو ما كان يتمناه لابنته ، وعندما طلب صالح ابنة جاره عبدالعزيز وافق على الفور ، ليس طمعا منه في شيء وإنما حباً في أخلاق جاره وزوجته وابنه . واتفقا وحددا موعد الزفاف .
  وأثناء الزفاف ، حضر إبراهيم وعمر وهما في حالة يرثى لها ، وقابلا أخاهما محمداً ، وقصَّا عليه ما حدث  ، وأنهما خسرا كل شيء بسبب طمعهما ، وطلبا منه ان يجعل أباهما يغفر لهما ، ولكن الأب رفض مقابلتهما  ، فترجاه ابنه وترجاه جاره ، وقال عبدالعزيز : " لقد عرف الولدان خطأهما ، وجاءا يعتذران لك ، فاقبلهما ولا تتركهما يضيعان في هذه الحياة أكثر مما هما عليه ، فلقد تعلما درساً قاسيا لن يستطيعا نسيانه أبدا " ، فوافق الأب وعاد إبراهيم وعمر إلى منزلهما ، وظل يعملان مع أخيهما الأصغر في المستشفى الخاصة به ، وعاد الفرح إلى الأسرة من جديد .

تعليقات